من باريس: سهيلة باتو
صحفية و سينمائية
نيويورك، يونيو 2025 — شهدت الساحة السياسية في نيويورك تحولاً تاريخياً. فقد فاز زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب رئيس البلدية، في انتصار مفاجئ تجاوز كل التوقعات، ودون أدنى دعم من اللوبي الصهيوني القوي في المدينة. بالنسبة لمؤيديه، شكل هذا الفوز صدمة إيجابية، إذ قلب الموازين بسرعة. وقد أطلق ممداني، المعروف بمواقفه المؤيدة بشدة للفلسطينيين والمعارضة للصهيونية، تحديًا مدوياً: سيعتقل بنيامين نتنياهو إذا وطأت قدماه أرض نيويورك. هذا الانتصار ليس مجرد نجاح محلي؛ بل يتردد صداه كإشارة عالمية تؤكد أن غزة تستولي على القلوب، وأن القضايا التي بدت منسية، يمكن أن تبعث فيها الروح من جديد.
زهران ممداني: مسيرته، إرثه العائلي، ومواقفه الملتزمة
يبلغ زهران ممداني من العمر 33 عامًا، وهو نائب في ولاية كوينز وعضو في الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين (DSA). تلقى تعليمه في "بانك ستريت سكول فور تشيلدرن" و"برونكس هاي سكول أوف ساينس". وقد درس في "كلية بودوين"، حيث شارك في تأسيس فرع "الطلاب من أجل العدالة في فلسطين" بها، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الأفريقية عام 2014. أصبح ممداني مواطناً أمريكياً في عام 2018. وهو متزوج من امرأة من أصل سوري.
يأتي ممداني من عائلة ذات إرث فكري وفني غني. والده، محمود ممداني، أكاديمي أوغندي من أصل هندي (من أبناء الغوجارات المسلمين الشيعة)، وشخصية بارزة في الدراسات المتعلقة بمرحلة ما بعد الاستعمار. وهو من أبرز الأساتذة وأكثرهم احتراماً في الأنثروبولوجيا بجامعة كولومبيا، وقد أدار معهد ماكيريري للأبحاث الاجتماعية في أوغندا. هذا البروفيسور، المعترف به عالميًا، كان نشطًا للغاية في حركة الحقوق المدنية بالولايات المتحدة في شبابه. وفي عام 2000، زار رام الله. وهو مؤلف العديد من الكتب المؤثرة، منها "المسلم الصالح، المسلم السيئ: أمريكا، الحرب الباردة، وجذور الإرهاب"، الذي يستكشف استغلال القوى الكبرى للدين لخدمة مصالحها الجيوسياسية.
والدته، ميرا ناير، مخرجة سينمائية هندية-أمريكية عالمية الشهرة (من أصل بنجابي هندوسي). حائزة على جوائز، ومعروفة بأفلامها التي نالت استحسان النقاد مثل "عرس مواسم الأمطار"، و"اسم آخر"، و"سلام بومباي!"، و"ملكة كاتوي". لقد تميزت بقدرتها على مزج الفن بالنشاط، وسرد قصص تتجاوز الحدود والهويات. لا شك أن مسيرة والديه، التي اتسمت بالمنفى، والالتزام الأكاديمي، والنشاط الاجتماعي، والإبداع الفني، قد شكلت وعي زهران السياسي.
بالإضافة إلى خلفيته العائلية المميزة والتزامه بالقضايا الدولية، استقطب ممداني الناخبين الشباب الليبراليين بفضل مقترحاته التقدمية الملموسة: حافلات مجانية، وتجميد الإيجارات، ومحلات بقالة تديرها المدينة.
مواقفه بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني:
في صميم حملته وشهرته يدور التزامه الثابت بالقضية الفلسطينية. مواقفه واضحة:
الدعم النشط لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد إسرائيل.
اتهامات متكررة لإسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية".
الدفاع عن التعبير المثير للجدل "عولمة الانتفاضة". وقد أدان متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة هذه العبارة بشدة، بعد أن قارنها ممداني بانتفاضة غيتو وارسو.
ردود الفعل: "صفعة سياسية" للوبي المؤيد لإسرائيل
أثار فوز ممداني ردود فعل حادة ومنقسمة:
قلق: أعرب العديد من يهود نيويورك والمنظمات المؤيدة لإسرائيل عن قلق عميق. وقد شارك رئيس البلدية الحالي، إريك آدامز، وهو نفسه من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، هذه المخاوف علنًا.
دعم: حشد ممداني اليسار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي. كما دعمته مجموعات يهودية مناهضة للصهيونية مثل "صوت يهودي من أجل السلام". يعتبر فوزه نجاحًا واضحًا للجناح اليساري للحزب.
إنها بالفعل "صفعة سياسية" للوبي المؤيد لإسرائيل وللمعارضة الوسطية. هذه النكسة المهينة كبيرة لهذا اللوبي، الذي يتمتع بنفوذ تقليدي واسع في نيويورك، فقد فشل في منع انتخاب مرشح ذي مواقف معارضة جذريًا. وقد لخصت إحدى المراقبين اليهوديات الوضع بقولها: "أن تكون صهيونياً وتتملق الصهاينة لم يعد كافياً للفوز بالانتخابات!". إن تغير الرأي العام، المرتبط بالأحداث في غزة، يحوّل الصورة المؤيدة للصهيونية من نقطة قوة إلى عبء سياسي.
: تحول دبلوماسي
أطلق زهران ممداني تحدياً حاسماً: أقسم رسمياً على اعتقال بنيامين نتنياهو فور وصوله إلى نيويورك. هذا الإعلان، رمزياً، فالمحكمة الجنائية الدولية لا تملك ولاية قضائية في الولايات المتحدة، إلا أن صداه السياسي والدبلوماسي هائل. إنه يؤكد حقيقة لا جدال فيها: الانتخابات المحلية لم تعد شأناً داخلياً محضاً، بل أضحت مرايا تعكس بقوة قضايا الهوية والتوجهات الجيوسياسية العالمية.
هذا الوعد يزداد وقعاً مع اقتراب لقاء نتنياهو المرتقب مع دونالد ترامب في واشنطن العاصمة أوائل يوليو 2025. عاصمة لا تبعد سوى 200 كيلومتر عن نيويورك، حيث ستتركز المناقشات على أوهام النجاح الإقليمي وقضية غزة. صعود ممداني الصاروخي إلى منصب عمدة نيويورك يطرح سؤالاً يتجاوز بكثير حدود المدينة، ليصبح محط اهتمام الدبلوماسية الدولية: وماذا لو، بالنسبة لبنيامين نتنياهو، أصبح مجرد وطء قدمه أرض أمريكا، رمزياً، دخولاً إلى منطقة معادية؟