من باريس: سهيلة باتو
صحفية و سينمائية
فبماذا نحتفل بالضبط هذا العام؟ هل هو طقس فقد معناه؟ عادة تتكرر آلياً بينما ينهار العالم حولنا؟ ماذا يحتفل به من يرتدي الجديد بينما يدفن آخرون أبناءهم؟ ماذا تبقى من الاحتفال حين تصبح اللحوم معدومة والماء أسطورة والسماء لم تعد تجلب السلام بل النار؟
من السودان المشتعل إلى سوريا المعذبة، من لبنان المختنق إلى ليبيا المتجزئة، يهتز عالمنا الإسلامي بألمه. ماذا يحتفل المؤمن حين يكون أخوه في مكان آخر جائعاً مشرداً مقصفاً ومنسيّاً؟
في غزة، ليس هناك احتفال بعيد التضحية، بل هم أنفسهم التضحية. لا يبقى ما يُقدَّم سوى صمت الأمهات وجوع الأطفال وغبار الوجوه. تحت الخيام المثقوبة، لم يعد الموت هو الرعب، بل الخوف من الاندثار.
وفي أماكن أخرى، يُضرب المسلمون حتى داخل مساجدهم. تُنتزع أغطية رؤوس النساء في الشوارع. تنتشر الخطابات المعادية للإسلام على الشاشات، ويتحول الاستنكار إلى انتقائية. تتزايد الاعتداءات العنصرية، لكن ضجيج الإعلام يخفيها خلف ستار من التعتيم.
ومع ذلك، في هذا الضجيج الصامت، ينبعث نسيم حياة يرفض السكوت. شباب مؤمنون أو لا، من كل أنحاء العالم، يتجهون نحو رفح. إيمانهم ليس بالأيديولوجيات، بل بالحركة. لا يحملون رايات ولا يقيناً، لكن لديهم المشي كصلاة. لم يعد حجاً بطقوس ثابتة، بل نداءً حياً للرحمة.
يرافق هؤلاء الشباب قارب "مدلين" البسيط يقطع مياه البحر المتوسط، محملاً ليس بالأسلحة بل بالمؤن والأدوية والأمل الحي، أطباء بنظرات ثابتة وناشطون بأيدي مرفوعة. لقد اختاروا ألا يغمضوا أعينهم. لقد جعلوا الشجاعة أعظم تضحية يقدمونها.
ذلك الصمت نفسه الذي يفضحه وقع الأقدام، ويخدشه صدى الحقيقة حين يعلو على صمت الملوك.
تتردد على الشبكات صوت منى غندور، الصحفية والناشطة التي كانت أول من دقّ ناقوس الخطر: "كل عيد وأنتم تتحنون بدم الفلسطيني وتتركون يوسف في البئر لوحده."
يصر منظمو المسيرة على أنهم لن يفرضوا أي حاجز أو حدود، وأن هدفهم هو التفاوض مع السلطات المصرية لفتح معبر رفح بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين والمنظمات الإنسانية. ويُعتبر هذا المعبر من أهم نقاط دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الذي دمرته الغارات الإسرائيلية وغرق في كارثة إنسانية.
تخبرنا الصحفية الجزائرية-الكندية الشابة سمية ن. أن هذه الرحلة إلى غزة ليست اختياراً بل هي الدواء الوحيد لشعورها بالعجز أمام الفظائع والصور المباشرة للإبادة الجماعية. تحكي عن رحلتها الطويلة من كندا مروراً بتوقف لمدة ساعتين في الدوحة ثم المشي 80 كيلومتراً إلى رفح.
وعلى وقع خطواتهم، يبحر قارب "مدلين"، يحمل ليس الأسلحة بل الغذاء والدواء والأمل. هم أطباء بنظرات ثابتة، وناشطون بقبضات مرفوعة، اختاروا أن لا يغمضوا أعينهم وجعلوا الشجاعة أعظم تضحية يقدمونها.
ونتساءل: أين فنانونا؟ أين مفكرونا؟ أين أبطالنا؟ أين أصواتنا؟ كريم بنزيمة اختار أن يتحرك ويشارك في المسيرة العالمية إلى غزة، بعيداً عن الأضواء، إلى جانب المجهولين. ماذا عن الآخرين؟ هل يكتفون بالتألق بعيداً؟
التضحية الحقيقية لا تُقاس بدماء الذبيحة، بل بما نحن مستعدون لخسارته لنظل بشراً.
لا تهنئني بالعيد.
ليس لأنني أكره الفرح، بل لأن هذا العيد لا يشبه عيدًا...